الأربعون القرآنية - الأستاذ الدكتور عبد الجبار سعيد

تاريخ الإضافة الأربعاء 25 نيسان 2018 - 8:31 ص    عدد الزيارات 4231    التعليقات 0

        


الــحــديــــث الأول | الـــراوي أَبــــو هُــــرَيْـــــرَةَ  

تمني تعلم القرآن والعمل به

 

 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ [: «لَا تَحَاسُدَ إِلَّا في اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ الله الْقُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَهْوَ يَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا، لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله مَالًا فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ» رواه البخاري(1).

الحسد ولا شك خلق مذموم في ديننا أمرنا اللّه سبحانه وتعالى أن نتعوذ به منه، إلا أن رسول اللّه [ يبين لنا أن هناك حسدًا محمودًا وأراد به «الغبطة»، وفيهما معًا تمني ما لدى الآخر من النعمة، لكن الفرق بينهما أنه في الغبطة يتمناها دون أن يتمنى زوالها عن غيره. وهذا الحسد المحمود والمطلوب متعلق بالقرآن الكريم وبالإنفاق في سبيل اللّه عز وجل؛ أي أن يتمنى العبد المؤمن أن يؤتيه اللّه ما آتى غيره من الناس: من العلوم المتعلقة بالقرآن حفظًا وتلاوةً وتدبرًا وعملًا به وقيامًا به آناء الليل وأطراف النهار، وأن يؤتيه المال لينفقه في سبيل اللّه. «والحاسد فيه مشكور؛ لأنه  إنما حسده على العمل بالقرآن والعلم، وحسد صاحب المال على نفقته له في حقه، فلم يقع الحسد على شيء من أمور الدنيا، وإنما وقع على ما يرضي اللّه ويقرب منه، فلذلك كان تمنيه حسنًا» (2). فيأتي رجل فيقول: «لو أن لي مثل هذا لفعلت كما فعل، فهما في الأجر سواء هذا بعمله، وهذا بنيته». والشاهد قوله: فَيَقُولُ لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْت فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ. فنسب الفعل إليه(3). 

 

وفي هذا الحديث من الفوائد:
1- جواز تمني ما عند الآخرين من الخير وغبطتهم عليه، والحرص على تحصيله.
2- الحرص على تعلم القرآن، وتلاوته، والعمل به، والقيام به آناء الليل وأطراف النهار.
3- الصدق في الحرص على ذلك، ومن صدق اللّهَ، صدقه اللّه.
4- من كان صادقًا في تمني ذلك من الخير، ونوى أنه لو أوتي منه لفعل ما فعل غيره ممن أوتي ذلك من قبل، فإنه ينال أجر نيته وأمنيته ولو لم يؤت.
5- من المطلوب ممن آتاه اللّه القرآن أن يظهره للناس، أي يظهر نعمة اللّه عليه، إذا أمن على نفسه الفتنة، ولم يؤثر ذلك في إخلاصه، وإلا فكيف سيعرف الناس به ويتمنون ما عنده؛ بمعنى أن يحرص حامل القرآن على أن يكون قدوة لغيره، فينال الأجر بدعوتهم إلى الخير من خلال فعله وقوله وتعليمهم القرآن.
6- وكذلك مطلوب من المؤمن الحريص على مرضاة ربه أن يبحث عن الخير دائمًا ويلاحظه عند غيره، ويجتهد ويصدق في تحصيله.
7- ويقال في الإنفاق في سبيل اللّه ما قيل في القرآن.
8- النهي عن الحسد المذموم الذي هو تمني زوال النعمة عن الغير وتحولها إليه وتحريمه ورد في الكتاب العزيز، وفي هذا الحديث.

 

(1) أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 1، باب: الاغتباط في العلم والحكمة، ج 1، (بيروت: دار الريان للتراث، 1986)، ص 199.

(2) ابن بطال أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك، شرح صحيح البخاري، ج 10، (الرياض: مكتبة الرشد، 2003)، ص 289.

(3) انظر: عبد العزيز بن عبد اللّه الراجحي، شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري، ص 255.

مشاركات متعلقة